الحج في ظل أزمة “كورونا” رؤية مقاصدية
الحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج؛ فجعل دينه يسرا، وله الحمد على شرعة تكاملت أركانها؛ فصلحت لكل زمان ومكان، فما تنزل بالأمة نازلة إلا وكان لها فيها ملاذا وأمنا، يأتي هذا المقال” الحج في ظل أزمة “كورونا” رؤية مقاصدية
“، والعالم يجتاحه وباء أجمع الاطباء على خطورته وسرعة انتشاره، كما أنهم اتفقوا على أن “التباعد الاجتماعي” أحد أهم وسائل مقاومته في ظل عدم التوصل إلى علاج له، وكما أنه واجب على المسلمين أداء فرائضهم، فواجب عليهم-أيضا- حفظ أنفسهم فذلك من مقاصد الشرع الحنيف، ولعل ما اتخذته وزارة الحج في المملكة العربية السعودية من خلال القائمين عليها: معالي الدكتور/ محمد صالح بنتن وزير الحج السعودي، ووكليه الدكتور/ عبد الفتاح مشاط، من إجراءات رشيدة تقصر أداء مناسلك الحج – هذا العام- على المسلمين المقيمين بالمملكة العربية السعودية وبأعداد محدودة نموذجًا لاجتهاد مقاصدي ينبع من رؤية مستنيرة لأحكام الشرع الحنيف، وإلمام بواقع نعايشه في كافة أرجاء المعمورة، وكما يعبر عن رؤية عالمية لهذه الفريضة التي تجمع العالم بأسره، ومن ثم كانت حكمة القرار ومهارة الإدارة التي تخطت حدود المحلية إلى آفاق العالمية في ضوء رؤية شرعية مقاصدية تدل على صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، وأنه في حقيقة أحكامه كائن حي يسري في رحم الزمان متجاوبًا مع الوقائع والأزمات.
والحج فريضة من فرائض الإسلام قال تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وقال تعالى{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}والاستطاعة شرط وجوب الحج فمتى توفرت وجب على المسلم أداء الفريضة، وفي الوقت ذاته وصح عنه – صلى الله عليه وسلم- قوله في الطاعون:”إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فراراً منه”، ولا يخفى ما في قوله صلى الله عليه وسلم من إشارة إلى الاحتراز واتخاذ الاحتياطات والاجراءات اللازمة لمنع انتشار الأمراض المعدية من خلال تنقل الناس؛ وفي ظل حالة تنذر بالتطور الذي يوجب تقدير الأمور في ضوء واقع العالم أجمع، وفي ضوء قوله -صلى الله عليه وسلم-:”لا ضر ولا ضرار” كان هذا القرار تجاوبًا مع اطروحات الواقع وتجدد أحداثه ونوازله التي تحتم التعامل معه بحكمة وبصيرة ورؤية شمولية تظهر عبقرية التشريع والقائمين عليها من أولي الألباب والنهى في ضوء قيادة موجهة حكيمة، وإدراة منفذة رشيدة.
ولعل في حكمة التعامل مع فريضة الحج في ظل أزمة كرونا العالمية تأكيد لنجاح خطة وزارة الحج الاستراتيجية التي جعلت للأزمات حلولا يمكن التعامل من خلالها مع المستجدات والتقلبات، خطة تنبع من الواقع على مختلف مستوياته المحلية والدولية. ومثلت إدارة الحج في ظل أزمة كورونا اختبارا حقيقيًا لهذه الخطة الاستراتيجية، محافظة في الوقت ذاته على شعار الحج من الفكرة إلى الذكرى، والتي جعلته وزارة الحج من أهم شعارتها.