فائدة الجمعة.
دكتور/محمد عبدالرحيم البيومى
التسبيح مأخوذ من السبح والعوم فالظاهري منه هو للمبتديء المحب المشغول بمولاه بسبحته أو بلسانه .ثم يرتقي بعدها فيسبح بأفكاره وخواطره وكله شوق وأنس وشغف وتساؤل وفضول بحثا وطلبا عن محبوبه فيصول ويجول حتى يبشر بالقبول وتلوح له أنوار الوصول وعلى مطلوبه ينول .عندها يلج لعالم التسبيح المعنوي دون سبحة ولا لسان .وهو من تسبيح القلوب الهائمة في بحار الملكوت فينسلخ العبد كلية من طين الناسوت ويتحرر من قيود التابوت ويحيا بعد موت فيطير لعوالم اللاهوت .
ثم يرتقى بعدها لتسبيح الروح فتضحى روحه هائمة ولهانة عائمة في عوالم الغيب تسبح في الأنوار و تعوم في الأسرار. وشيئا فشيئا تتعلم هاته الروح العوم أكثر فأكثر فيصير السبح غطسا .ثم تترقى أكثر فيصبح الغطس غوصا. فإذا غاصت وصلت لقاع بحر الذات وعرفت سر الصفات و نهلت من العلوم والفنون وحازت على اللؤلؤ والمرجان والدر المكنون فتجمع الجواهر وتحظى بالبشائر لتعود بها إلى ساحل البر وتوظف هاته الكنوز في وظائف العبودية والعبادات وكما لا يتقن الغطس إلا من يجيد حبس الأنفاس .كذلك الغطس المعنوي لا يصل إليه إلا من روض أنفاسه على كثرة الذكر. فيعلمه الذكر الفكر ويعلمه الفكر السباحة والعوم.
ولازال السابح المسبح يغطس بروحه و ينهل من جواهر العلوم والفهوم حتى يرتقي لتسبيح سر السر فيصير عين المذكور فلا ير من نفسه بقية فلا يفرق حينها بين الذاكر والمذكور لانصهار ذاته في الذات الأحدية الصمدية. فيقول قول الحلاج : سبحاني ما أعظم شاني .
يقول الشيخ الجنيد البغدادي في سبحاني سبحاني :
إن الرجل مستهلك في شهود الإجلال ، فنطق بما استهلكه لذهوله عن الحق عن رؤيته إياه ، فلم يشهد إلا الحق تعالى ، فنعته ، فنطق به ولم يكن من علم ما سواه ولا من التعبير عنه ضناً من الحق به .
ألم تسمعوا مجنون بني عامر لما سئل عن اسم نفسه فقال :
ليلى ، فنطق بنفسه ولم يكن من شهود إياه فيه .
وقد سبح في بحر الذات وغرق فيه أهل السموات والأرض، شعروا أم لم يشعروا، كل الكائنات غريقة في بحر الذات ممحوة بالأحدية . يسبح له من في السماوات والأرض
( منقول )