استلهام تجربة محمد علي مؤسس نهضة مصر الحديثة لأطفال الشوارع تختصر الطريق علي كل من يريد أن يتناول هذة الظاهرة المقلقة والمدمرة لاستقرار أمن أي مجتمع يريد أن يعيش في سلام محققاً العدالة الاجتماعية، ومستغلا القدرات البشرية التي تعد أغني الكنوز بين كل ما تملكه الدولة .
محمد علي أدرك ذلك مبكرا، فجمع أطفال الشوارع ووضعهم في أماكن إيواء آدامية وأقام لهم المدارس ومعسكرات التدريب والتأهيل المهني وحولهم من طاقة هدم إلي طاقة منتجة وخلق لهم وبهم مهن لم تكن موجودة في مصر كانت هذة المهن النواة الأولي للمشاريع الصناعية والزراعية التي أقامها في مصر، بل أنه أمر بتسفير المتميزين منهم إلي الخارج لأستكمال دراستهم وعادوا إلي مصر يحملون الجديد في العلوم العسكريه والصناعية والزارعية ونقلوا إلي مصر أدوات الحضارة الأوروبيه ومفردات أفكارها .
وأطفال الشوارع في مصر ظاهرة لافتة ويتم استغلالهم في اعمال التسول أو في صناعات ومهن لا طاقة لهم بها أو يتم خطفهم من قبل مافيا تجارة الأعضاء البشرية ويقمون بتقطيع أحشائهم وتصديرها إلي الخارج أو بيع كليتهم وأكبادهم إلي الأغنياء في عمليات زرع الأعضاء .
وأعتقد أن المتابع لصفحات الحوداث في الصحف اليومية يقرأ يوميا عن عشرات الحالات التي يتم كشفها والقبض علي مرتكبيها . والقاعدة العامه تؤكد أن كل مايتم معرفته والكشف عنه من جرائم لا يزيد عن 20% وأن هناك 80 % من الجرائم لا يتم الكشف عنها . وهي بالتالي فهي نار تحت الرماد قابله للاشتعال في أي لحظة.
ولعلنا نتذكر الطفل أحمد بائع البطاطا الذي أصابته رصاصات الغدر أمام السفارة الامريكية في إحدى المظاهرات التي خرجت ضد حكم الإخوان، ونتذكر كيف استغل الأخوان الأطفال سياسيا أيام اعتصام رابعة الإرهابي المسلح بشكل فج، وقتلوا فيهم البراءة وجعلوهم يحملون الأكفان في مسيرة تدعو إلى قتل الحياة وموت الأمل، وللأسف استغلوا إحدى دور الحضانات الخاصة بهم وبدلا من زراعة الأمل في نفوس أطفالهم غرسوا فيهم ثقافة الموت ولغة الكراهية.
ويبلغ عدد أطفال الشوارع وفقا لتقديرات الأمم المتحدة نحو 150 مليون طفل حول العالم ويوجد في مصر ما بين 2 إلى 2,5 مليون طفل، لكن وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، قالت إن عدد أطفال الشوارع في جميع أرجاء المحروسة يتراوح مابين 16 إلي 19 ألف طفل وفقا لدراسه المركز القومي للبحوث الأجتماعية والجنائيه عام 2015 وهذا رقم هزيل ويؤكد أن مصر ليس لديها ظاهرة أطفال الشوارع ولا تخشي القنبلة الموقوتة التي تسببها هذة الظاهرة وهذا يدفعني إلي سؤال وزيرة التضامن الأجتماعي الدكتورة غادة والي التي حصلت علي نحو 164 مليون جينه بالتعاون مع صندوق تحيا مصر لمعالجة هذة الظاهرة أن نصيب الطفل الواحد سيصل إلي 10 الأف جنية فهل هذا يعني أن مصر خالية تماما من أطفال الشوارع .
وهل بعد الحصول علي المبلغ وأنفاقة علي إطعام أو كساء أو تدريب هؤلاء الاضأطفال . ستحل مشكلة اطفال الشوارع نهائياً.
أزعم أن منطقه الدويقة أو منشيه ناصر أو منطقة المقابر بالبساتين يوجد بها أضعاف الرقم الذي أعلنته وزارة التضامن وأن المبلغ المخصص لعلاج هذة الظاهرة سيضيع مراتبات وحوافز ولن يصل إلي الاطفال ولن يحل ر بع المشكلة .
فلماذا إخفاء الحقائق وخلق طمئنينه زائفة لن تجدي نفعا في علاج مشكله أطفال الشوارع الذي يبلغ عددهم أكثر من مليوني طفل؟
نحتاج إلي كل قوى المجتمع وإلى رؤية واضحة تبدأ من الأعتراف بالعدد الحقيقي مع تسهيل مهمة المراكز ومؤسسات المجتمع المدني المصرية مثل عدالة ومساندة وليست الممولة من الخارج والتي تعتمد في حصولها علي التمويل علي تعميق المشكلة وتضخيمها بل والعمل علي تعطيل اية جهود لحلها إضافة إلي جهود و زارة الداخلية والقوي العاملة ومراكز تدريب القوات المسلحة حتى نسهم في حل المشكله خلال 5سنوات علي الأقل .
والحل ليس مستحيلا بل يتطلب إرادة سياسية ورؤية مصرية واضحة وإصرار حكومي علي إعادة تجربة محمد علي الذي استطاع تحويل أكثر من 300 الف طفل من أطفال الشوارع إلي طاقة منتجة مبدعة خلاقة و كان لهم نصيب كبير وإسهام واضح في صياغة تاريخ مصر الحديث .
وإذا كانت الحكومة الحالية لا تعرف أو تدرك كيف تستلهم تجربه محمد علي الخاصة بأطفال الشوارع فليس عليها سوي تنفيذ توصييات المنظمات العالمية ومنظمة اليونيسف والتي تنص علي تفعيل القوانين والتشريعات بما يحقق القضاء على هذه الظاهرة من المنبع، مع العمل على وضع إجراءات تستهدف الردع والتقويم وحماية النشء وتحصينهم ضد الخلافات الأسرية وتأثيرها على مستقبلهم.
و الاهتمام بتفعيل المشاركة المجتمعية الواسعة تتحمل فيها الدولة مسؤليتها بجانب الأحزاب ومنظمات العمل الأهلى والجهود التطوعية.
مع أهمية التحرك الجاد على عدة محاور أجتماعية وأقتصادية وتشريعية توفر تحليلاً موضوعياً للخلل الأسرى كمصدر أصيل ومباشر لتفريغ هذه الظاهرة وتحديد أسباب هذا الخلل أقتصاديا وتربويا لإيجاد حلول واقعية لعلاجه.
ودعم سياسات الدفاع الاجتماعى، وتعظيم خدمات برامج الضمان الأجتماعى ودعم الأسر الفقيرة من خلال مشروعات أقتصادية سريعة العائد، بالإضافة إلى دعم مؤسسات الرعاية الأجتماعية للأطفال وتوسيع طاقتها الأستيعابية فى فترة قصيرة على نحو يكفل احتواء هذه الظاهرة.
إضافة إلي تجميع الجهود طويلة المدى وتوحيدها، مع تحديد الأدوار والمسؤوليات لكافة الأطراف، والتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع من منظور أجتماعى إصلاحى ودينى وليس أمنيًا وعقابياً.
مع التأكيد علي إنشاء نظام أجتماعى يقوم على تفعيل آلية لرصد الأطفال المعرضين للخطر، والتدخل المبكِّر لحمايتهم وأسرهم من كافة أشكال العنف والأستغلال.
والأهتمام بحماية الأطفال المتسربين من التعليم، والذين يتعرَّضون لعنف داخل الأسر أو المدارس، وضحايا الأسر المفككة والعاملين فى سن مبكرة، وفى بيئة عمل غير آمنة، والذين ينتمون إلى أسر ذات وضع اقتصادى متدن؛ لأن كل هذه العوامل تؤدِّى بدورها إلى نزوح الطفل إلى الشارع.
كذلك تفعيل نظام الضمان الاجتماعى، وإنشاء مراكز تأهيل مهنى ونفسى وأجتماعى للأطفال، مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين فى الشارع من خلال التعامل معهم فى الشارع نفسه، لتفادى المخاطر التى يتعرضون لها، وجذبهم تدريجيًا إلى الرجوع إلى أسرهم أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية فى حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم أو لأسر بديلة.
مع تفعيل دور الإعلام لرفع الوعى وإثارة الرأى العام بأهمية التصدِّى للمشكلة فى مرحلة مبكرة، وعدم عد هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية أكثر مما يستحقون الإدانة.