امنية حمدى:
قال طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري. لقد أتيت إلى هذه الاجتماعات بإصرار على النجاح، حاملًا رسالة من حكومتنا وأخرى من السيد رئيس جمهورية مصر العربية بأنه ينبغي علينا أن نتخذ خطوات جادة من أجل تضافر جهودنا كمؤسسات تمويل وسلطات رقابية لدفع بلداننا لتحقيق مزيد من التقدم وتعزيز أوصر التعاون فيما بيننا.
إن رسالتنا الأساسية من مصر إليكم هى أننا أتينا هنا لنقدم المساعدة والدعم بكل طريقة ممكنة فنحن لم نأتى هنا لكى نأخذ وإنما جئنا لدعم مؤسسة هامة وهي بنك التنمية الإفريقي، وبحث كيفية تمكين هذه المؤسسة من مساعدتنا على تحقيق آمال وتطلعات مجتمعاتنا في إفريقيا.
كما أن علاقتنا وروابطنا مع نظراءنا في كوريا الجنوبية على قدر كبير من الأهمية، وكذلك قدرتنا على الاستفادة من تجارب المعرفة والتنمية الرائدة التي شهدتها هذه الدولة، أعتقد أن هذا الأمر هام للغاية، وهناك الكثير من المجالات والأفكار التي لمسناها هنا والتى يمكن أن تساعدنا في تحقيق ما نصبو إليه.
اعتقد إن ما نحتاجه فى إفريقيا هو المزيد من الانضباط وتعزيز القدرة على تقديم الخدمات عالية الجودة على مستوى الحكومات، نظراً لأن الحكومات هي التي تخلق البيئة المواتية للنمو وفرص العمل والاستثمار. لذا فمن المهم والضرورى تطبيق الحوكمة الرشيدة في المؤسسات الحكومية، والتى ستساعدنا على التصدى للفساد بكل ما يسببه من أضرارًا بالغة ليس فقط لأنه يؤدى إلى إهدار المال ولكنه لأنه أيضا يعوق التقدم والتنمية ويفسد بيئة الاستثمار، ويؤدي إلى تعطيل الأعمال واضطرابها، فمن غير الممكن أن يوجد انضباط في بيئة معطلة ومضطربة نتيجة للفساد. لذا، فإن الإصلاح الهيكلي وحوكمة مؤسساتنا الحكومية قد أصبح أمرًا واجبًا وحتميًا، وهو ما نعمل علي تحقيقه الأن في مصر، بعد أن قمنا بتنفيذ برامج الإصلاح النقدي وضبط أوضاع المالية العامة، فنحن لدينا الموارد ولكننا نحتاج إلى خلق بيئة يمكن من خلالها لخبراء الحكومة والتكنوقراطيين أن يعملوا بدون أن يواجهوا مقاومة، فمن الطبيعى عندما تحارب الفساد أن يقاومك، ومن هنا، فإننا نريد أن نخلق بيئة تمكن الخبراء من العمل والإنتاج بدون مقاومة.
الأمر الأخر، هو أننا نريد أن نمد أسواقنا ومستثمرينا بالعمالة المدربة، فالعمالة المدربة أمرًا بالغ الأهمية، ومن ثم فإنه يتعين علينا أن نركز على تنمية الموارد البشرية. لقد كان تركيزنا منصبًا على الأدوات، والآلات والمعدات، ولكنني أعتقد أنه من المهم جدًا أن نوجه تركيزنا على تنمية شبابنا الموهوبين من مهندسين، وفيزيائيين وغيرهم الذين يمكنهم أن يحققوا قيمة مضافة لمجتمعاتنا، وأن يقدموا تكنولوجيا ذات صبغة محلية خاصة بنا، فيجب أن نستثمر في إجراء الأبحاث وتطوير مهارات هؤلاء الشباب من أجل النهوض بالصناعات الخاصة، كما لا بد أن يكون هناك أيضا ضوابط رقابية جيدة تتيح مراقبة القطاع الخاص والأسواق وتمنع حدوث الانتهاكات، لهذا فإن إعادة هيكلة هذا الجانب يتطلب وجود سلطات رقابية كبيرة قادرة على تحقيق الانضباط على مستوى الصناعات المختلفة لصالح المجتمع، لكى يحصل المجتمع على خدمة جيدة وسريعة، ويستطيع أيضا المستثمر الحصول على تلك الخدمة، سواء كان المستثمر وطنياً أو أجنبياً.
كما أعتقد أيضًا أن النظام الضريبي على مستوى القارة مهم كذلك، ونحن فى مصر نؤمن أن الدول الإفريقية يمكنها أن تستفيد من بعضها البعض وكننا نحتاج إلى أن يكون لدينا مزيداً من الإيمان والثقة، وأن نتعاون سويا، ونعمل على فتح طرق التجارة بين الدول الإفريقية، وذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية ومرافق النقل والمواصلات، حتى يمكن نقل السلع والخدمات عبر أسواقنا بتكلفة معقولة. فنحن بحاجة إلى أن نركز على عدد قليل ومشترك من القضايا وأعتقد أيضًا أننا نملك الموارد المالية اللازمة للنجاح فى هذه القضايا. وأتمنى أن أري ذلك يتحقق على أرض الواقع يوم ما، لأنني أعتقد أن هذه ربما تكون أحد فرصنا المميزة ، فنحن لا نملك رفاهية الوقت، والعالم يتطور من حولنا بسرعة كبيرة، لذا، آن لنا أن نتحرك، وإنني آمل أن تقوم السلطات في كل دولة بدعم وتمكين صانعي السياسات على الصعيد الاقتصادي، فهذا أمر مهم جدا، بحيث يكون لديهم الصلاحيات والسلطات اللازمة للاضطلاع بمسئولياتهم، وتحديد هذه المسئوليات بوضوح، حتى يمكننا أن نمضي قدمًا، فبدون التمكين، وبدون إرادة سياسية لا يمكنا أن نمضى قداً ونحقق آمال وطموحات شعوب قارتنا.
[١١/٦ ١:٤٣ م] امنية حمدى: إنني سعيد للغاية لتواجدي هنا اليوم في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، أعتقد أن هذه خطوة بالغة الأهمية لبنك التنمية الافريقي بأن يبادر كممثل للدول الإفريقية، بالتعاون مع إحدى الدول الرئيسية في آسيا التي تمتلك تجربة اقتصادية مبهرة، وهي فرصة لنا لأن نوسع مداركنا أكثر، بل إن هذه الخطوة تأتي كدلالة على أننا في إفريقيا بدأنا بالفعل ننصت ونتعلم من التجارب الاقتصادية الرائدة وفى مقدمتها تجربة كوريا الجنوبية والتجربة الأسيوية بهدف تعظيم قدرتنا على تحقيق التنمية الاقتصادية لشعوبنا الإفريقية على الوجه الأمثل، لقد كافحت شعوبنا ومجتمعاتنا الإفريقية وعانت لسنوات طويلة، والآن ومع وجودنا فى إحدى عواصم التكنولوجيا والتنمية في العالم، فإننا نعتقد أن أمامنا فرصة عظيمة لتبنى هذه المنصة التكنولوجية واستخدامها لتحسين الظروف المعيشية لشعوبنا.
إن التكنولوجيا المالية على وجه الخصوص هي أمر شديد الأهمية، وأعتقد أنها عنصراً أساسياً ومهماً في تطلعاتنا نحو تحقيق الشمول المالي، نحن في مصر وفي البنك المركزي المصري مستعدون الآن لأن ننطلق بقوة في هذا الاتجاه، فالشمول المالي والتكنولوجيا المالية أصبحا يستحوذان على جانب كبير من اهتمام وفكر قيادات البنك المركزي والحكومة، حيث أننا نؤمن بأنه في مقدرونا الوصول إلى كافة طوائف المجتمع المختلفة التي المحرومة من الخدمات التمويلية، إن الوصول إلى التمويل الذي يمكن أن يخلق التنمية وبتكلفة رخيصة هو أمر هام جدا، كما أن تحسين الوساطة المالية أمر هام أيضا.
خلال حديثي مع السيد/ اديسينا رئيس بنك التنمية الإفريقى حول كيفية تنفيذ إصلاحات هيكلية في بلداننا من أجل تحسين قدرتنا على تقديم الخدمات على مستوى والمؤسسات الحكومية، تطرقنا إلى أهمية الحوكمة كعنصر ومكون أساسي في مساعدة مؤسساتنا على تحسين قدرتها على التعامل مع الاستثمارات الأجنبية والمحلية ومواجهة البيروقراطية، وكذلك التعامل مع المواطنين والشركات المحلية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ومساعدتها في الانضمام إلى منظومة القطاع الرسمي، وزيادة قدرتها على النمو، والوصول إلى التمويل المصرفي، وهذا الأمر يتطلب المزيد من الإصلاحات والتحسينات، كما أن مكافحة الفساد على المستوى الأفريقي أمر مهم جداً، فالفساد يسبب أضراراً بالغة ليس فقط بسبب ما يتم إهداره من مال، ولكن أيضا بسبب المعوقات التي يخلقها الفساد في إتمام الأعمال، إن تحسين مناخ أداء الأعمال لا يمكن تحقيقه دون وجود إصلاح هيكلي. ونحن في مصر نأخذ هذه القضية بشكل جدي للغاية، خاصة وأننا في الآونة الأخيرة استطعنا إنجاز المرحلة الأولي من برنامجنا للإصلاح الاقتصادي وحققت سياستنا النقدية نجاحاً كبيراً، عندما قمنا بتحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، كما اتجهنا لعلاج الاختلالات في المالية العامة بصورة جدية، بالتنسيق والتعاون مع صندوق النقد الدولي لكى نؤكد على مدى جديتنا والتزامنا فى تنفيذ مهمة الإصلاح.
لقد اتخذنا خطوات إيجابية لمعالجة الاختلالات على مستوى الاقتصاد الكلي في مصر، وتحسنت مؤشرات أدائنا الاقتصادي على نحو فاق التوقعات وشجع صانعي السياسات في مصر على اتخاذ المزيد من الخطوات الإصلاحية، واعتقد أننا خطونا خطوة كبيرة في توعية وتثقيف مجتمعنا ونجحنا في أن نبين مدى أهمية اتخاذ الإجراءات الصعبة، وبالفعل تحمل مجتمعنا الوضع الصعب بشجاعة وإصرار، ونحن مستمرون فى طريقنا لكى ننقل الاقتصاد وكذلك شعبنا إلى مكانة غير مسبوقة، وهو الأمر الذى لم يكن من الممكن تحقيقه بدون وجود قيادة شجاعة، وإرادة سياسية، واعتقد أن رئيس الجمهورية قد أظهر بالفعل شجاعة كبيرة في مواجهة المشكلات والتصدي لها، وإعطائنا الدعم والتأييد اللازمين لاتخاذ القرارات الصعبة، وقد كان قرار تحرير سعر الصرف أحد القرارات الاقتصادية العظيمة التي اتخذت، حيث أدى إلى تحسن الحساب الجاري في مصر بنحو 64% في عام واحد، وارتفع صافي الاحتياطيات الدولية ليغطي 9 أشهر من الواردات، بعد أن كاد أن يُستنزف بالكامل، وانخفض معدل البطالة بنسبة 3%، كما تراجع التضخم من 33% إلى 13%، وهذه المؤشرات تؤكد الأداء القوى للاقتصاد حيث حقق معدل النمو الاقتصادي 5.3% خلال الربع الأخير.
إننا في حاجة إلى التعاون والعمل معًا في إفريقيا من أجل شعوبنا جميعا، كما إننا في حاجة إلى أن يكون لدينا ثقة متبادلة فيما بيننا، فنحن ندرك جيداً في مصر أن مصيرنا هو مصير واحد ومشترك، ويجب أن نؤمن جميعاً بذلك ونفكر من هذا المنطلق وإنني آمل أن تأخذنا المناقشات التي سوف تتم خلال الأيام القليلة القادمة صوب هذا الاتجاه.
نحن نؤمن بقارتنا وبإمكانياتها، ودائما ما أقول بأننا في مصر لا يمكن أن نستمر في استيراد المواد الغذائية من خارج إفريقيا، بينما يمكن أن تمدنا إفريقيا بكثير من احتياجاتنا من الغذاء، وأعتقد أن رجال الاقتصاد ومؤسسات التمويل يمكنهم فعل الكثير لحل العديد من مشاكل إفريقيا، وليس فقط رجال السياسة، فبجانب رجال السياسة لا بد من تمكين رجال الاقتصاد ومؤسسات التمويل وصانعي السياسات والبنوك المركزية ووزارات المالية ويجب أن نمنحهم السلطات والصلاحيات التي تمكنهم من إبرام العقود والاتفاقيات وتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية، فنحن مهتمون للغاية بهذا الأمر ونبذل فيه جهودًا كبيرة، ونحن على ثقة بأن يوماً ما سوف نرى نوعاً جديداً ومختلفاً من العمل والتعاون على المستوى الإفريقي، وأخيراً فإنني أؤكد مرة أخرى على سعادتي بوجودي هنا في كوريا الجنوبية، فهي حقا تجربة استثنائية.