حمدي الجمل
الجهاز المركزي للمحاسبات أنشئ في 16 أغسطس عام 1942بمرسوم ملكي باسم ديوان المحاسبة ثم تم تغير المسمي عام 1964 إلي الجهاز المركزي للمحاسبات وتم تعديل قانونه بالقانون 144 لسنه 1988
أما بالنسبة لسلطات الجهاز فهو يمارس الرقابة المالية بشقيها المحاسبى والقانونى والرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة والرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات المالية هو هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة تتبع رئيس الجمهورية ، وتهدف أساسا إلى تحقيق الرقابة على أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخرى وغيرها من الأشخاص المنصوص عليها في هذا القانون كما يعاون مجلس الشعب في القيام بمهامه في هذه الرقابة.
لكن السؤال هل يراقب الجهاز أداء شركات القطاع العام بشكل كاف؟ وهل استطاع الجهاز منذ إنشائه عام 1942 وحتي الآن أن كشف فساد حقيقي وتم تحويل المتهمين بهذا الفساد إلي المحاكمة؟ وهل تم إصدار حكم و احد علي أحد المسئولين نتيجة تقارير الجهاز؟ وهل الجهاز يراقب الفساد أم أنه مثل مكاتب المراجعة المحاسبية يراقب شكل الأداء وليس جوهره؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة وتزداد حدتها كلما حضرت جمعية عامه لإحدى الشركات الحكومية أو كلما قرأت تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن الأداء للشركات وللقطاع الحكومي
والسؤال الذي لم أجد له تفسيرا إذا كان مراقبو الجهاز المركزي للمحاسبات موجودين في كل الشركات والقطاعات الحكومية ويراقبون الأداء بشكل يومي، فلماذا لا يصبون الأخطاء والملاحظات التي تقع تحت أيديهم يوميا ولماذا يصدر تقرير الجهاز في نهاية السنة المالية بكل هذه المخالفات؟ وهل هي مخالفات تستوجب المحاسبة والمسائلة؟ أم أنها مخالفات شكلية وإجرائية؟
اللافت للنظر أن كل من يقرأ تقارير الجهاز المركزي عن أي شركة من شركات الدولة يجد
آلاف الملاحظات والمخالفات ويعتقد أن هذه المخالفات كفيلة بإحالة المسئولين بالشركة إلي النائب العام بتهمة الفساد، لكن ذلك لا يحدث والأنكي أنه في العام الثاني تجد نفس مخالفات العام السابق وتراكمات مخالفات الأعوام السابقة موجودة إضافة إلي مخالفات العام الجديد . ومن يسعده الحظ ويحضر فعاليات جمعية عامة لأي شركة ويسمع مراقب الجهاز وهو يسرد كم المخالفات وكم الملاحظات حول أداء مجلس الإدارة خلال العام المنقضي ثم يسمع رد الشركة علي هذه الملاحظات ينتابه شعور بأن ما يحدث أمامه لا يرتقي إلي مشهد من مسرحية هزيلة. فلا الشركة خالفت القانون ولا الجهاز راقب الأداء, والقاعدة المتعارف عليها أن كل عمل له غاية وليس عملا لذاته، إلا أن الجهاز المركزي للمحاسبات يراقب من أجل المراقبة وربما كان سبب ذلك أن القانون المنظم لعمل الجهاز قديم ومعني بالشكل أكثر من الجوهر، أو أنه قانون كان يراقب الشركات في ظل النظام الاشتراكي ولم يتم تطويره أو تغييره بعدما اتجهت الدولة إلي النظام الرأسمالي واقتصاد السوق.
ويمكننا الإشارة هنا إلي ما ذكره المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات السابق حول حجم الفساد في مصر والذي قدره بنحو 600 مليار جنيه في عام 2014 فقط، وهو رقم غير واقعي وغير معقول كيف يكون حجم الفساد في دولة حجم إيراداتها بالموازنة العامة خلال نفس العام يساوي الرقم الذي أعلنه رئيس الحهاز أو يزيد عليه قليلا؟
وبقراءة موضوعية وتحليل دقيق لما ذكره المستشار هشام جنينة من وقائع اعتبارها جهاز المحاسبات وقائع فساد أن الجهاز قدر قيمة الأراضي التي اعتدي عليها المواطنون بعد أحداث الفوضي في 25 يناير عام 2011 والتي استعادتها الدولة في منطقة وادي النطرون والسادات بعد ذلك بنحو 139 مليار جينه. سأتوقف عند هذا الرقم وهذه الواقعة تحديدا للتأكيد علي وقوع الجهاز في عدة أخطاء أولها؛ ما المعايير التي اتخذها الجهاز لتحديد ثمن الأرض؟ ولماذا لم يسقط الجهاز ثمن الأرض من وقائع الفساد بعد أن عادت للدولة؟ ولماذا استمر الرقم موجودا في سجلات الجهاز حتي عام 2014 رغم أنه حدث في عام 2011؟ وهناك حالة أخري صادمة اعتبرها الجهاز واقعة فساد رغم أنها قرار سيادي يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية والتخفيف عن الشباب بتخفيض قيمة سعر الفائدة لهم في وحدات الإسكان الاجتماعي، حيث اعتبر الجهاز الفرق بين السعر في السوق المصرفي وسعر الفائدة المقدم للشباب شكلا من أشكال الفساد، وهذه الواقعة تحديدا تنقلني إلي سؤال آخر وهو هل من حق الجهاز المركزي وضع الخطط والإستراتيجيات للجهة التي يراقب أداءها؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فإن هذا يعني أن مراقبي الحسابات بالجهاز هم من يديرون المؤسسات والشركات، وهذا غير
حقيقي، لأن وضع الخطط والإستراتيجيات للدولة مسئولية الحكومة وأعضاء الجهاز الإداري. وأتصور أن سبب هذا اللبس في أداء عمل الجهاز هو القانون المنظم له والذي يجب تغييره ليتواكب مع المعطيات الحديثة ومع النظام الرأسمالي وآليات السوق الحر، وأن تكون للجهاز سلطة تحويل المخالفات الحقيقة والجوهرية وليست الشكلية أو الإجرائية إلي النيابة وتغيير المفاهيم الموروثة لنظام العمل بالجهاز، ليس هذا فحسب بل يجب أن تكون هناك جهة ما أو هيئة تراقب أداء عمل المراقبين في الجهاز، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ومراقبة الأداء بالجهاز حق من حقوق المجتمع سيما أن العاملين به يتقاضون أجورهم من ضرائب المصريين، وأن تكون تقارير الجهاز ملزمة وليست للاطلاع عليها في مجلس النواب أو رئاسة الجمهورية؟
ولأن الفساد في مصر أصبح ممنهجا وشمل قطاعات عريضة وبات يهدد الاستثمار ويعطل النمو الاقتصادي ويمنع تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن تغيير قانون جهاز المحاسبات بات أمرا ضروريا حتي نستفيد من خبرات العاملين بالجهاز، ولا تقتصر مسئولية محاربة الفساد علي جهاز الرقابة الإدارية فقط لأن مساحة الفساد أكبر من أن يغطيها جهاز واحد.