منهج الرأسمالية في مصر أعرج ويسير بقدم واحدة ،لا يخدم التطور الاقتصادي ولا يحقق استقرار الاسوق ولا يشجع علي المنافسة اللازمة لزيادة الاستثمار، كما أن آليات السوق الحر في مصر منقوصة ومعيبة ولاتري سوي بعين واحدة فقط ، تنظر منها علي مصالح السماسرة والتجار والمحتكرين.
والمدهش حد العجب أن عوار منهج الرأسمالية مقصود والفوضي الناتجة عن هذا العوار مرحب بها من كل الحكومات المصرية السابقة والحالية بل إنها تحظي برعاية واسعه لأستمرارها والأنكي أن الفوضي تسير في اتجاه واحد لخدمة أصحاب النفوذ من كبار المحتكرين والسماسرة ومصاصي الدماء وربما كانت قضية انفلات الأسعار أكبر دليل علي عجز أو تواطؤ الحكومه ضد البسطاء ومحدودي الدخل والطبقة المتوسطة .
في الرأسمالية المصرية تم تأسيس كيانات للتجار وللصناع تحت مسمي اتحاد الغرف التجارية والصناعية وتحت مظلة هذا الاتحاد توجد عشرات التكتلات التي تخدم وتدافع عن مصالح كيانات متخصصة في صناعة أو تجارة ما ومع استمرار الزمن والممارسة وفي ظل تخلي الدولة عن دورها الرقابي والتشريعي وترك ملف الغذاء والدواء للقطاع الخاص تكونت تكتلات وشبكات مصالح بين التجار والصناع والمستوردين والمحتكرين فاقت في قوتها قدرة الحكومة علي مواجهتها ، علي افتراض حسن النية وتصديق زعم الحكومه بأنها تعمل جاهدة علي ضبط الأسواق وتحقيق الرقابة علي السلع ومحاربه جشع التجار والمتلاعبين بالأسعار .
وربما كان إعلان الحكومة عزمها مناقشة قانون القيمة المضافة سببًا كافيا لقيام المتحكمين في السوق من التجار والصناع برفع أسعار السلع بشكل غير مبرر بنسب تراوحت ما بين20 % إلي 30 % والعجيب أن الحكومة لم تحرك ساكنا بل إنها خرجت علينا لتنتقد ارتفاع الأسعار وكأنها شاهد عيان والأعجب أن الخزينة العامة للدولة لم تدخلها أيه إيرادات بسبب ارتفاع الأسعار وبعد انتهاء الدولة من إقرار قانون القيمة المضافة رفع أصحاب السطوة علي السوق الأسعار بنسب تراوحت مابين 5% إلي 6% مرة اخري في أقل من شهرين رغم أن الدولة أعفت كل السلع الغذائية والدوائية من الضريبة .
وخلال الفترة التي خططت فيها الحكومة لتخفيض قيمة الجنيه والتي استمرت أكثر من عام ونصف العام تركت الدولة السوق السوداء تنشط للأتجار في الدولار وكان البنك المركزي يغطي العملة الصعبة اللازمة لاستراد السلع وكان التجار يطرحون هذه السلع في الأسواق وفقا لسعر الدولار بالسوق السوداء محققين أرباحًا تصل إلي 600% ، وبعد تحرير سعر الصرف استمرت أسعار كل السلع في الارتفاع رغم أن التجار يحصلون علي العملة الصعبة من البنوك بسعر أقل نسبيا من أسعار السوق السوداء .
وعندما حاولت الدولة تحسين صورتها أمام الشعب بإصدار قرار إداري من رئيس مجلس الوزاء المهندس شريف إسماعيل لتحديد هامش ربح للسلع والخدمات كما هو متبع في كل الأنظمه الرأسمالية قامت الدنيا ولم تقعد في اتحاد الغرف التجارية والصناعية لرفض هذا القرار الذي ولد مشلولًا أصلًا ولا يساوي الحبر الذي كتب به وإلي الآن لم نعرف مصير هذا القرار وكيف سيطبق؟ وعلي من ؟ وما آليات ذلك ؟ وكيف سيتم تحديد تكلفة المنتج لفرض هامش الربح ؟ وحتي إذا أخذت الحكومة حبوب الشجاعة فإن تحديد هامش الربح لا يكون إلا بقانون يصدر من مجلس النواب حتي يكون ملزمًا للحكومة والتجار.
وفي ظل هذه الصورة العبثية للرأسمالية المصرية مع الغياب التام للحكومة وعجزها عن فرض رقابة صارمة علي الأسواق وعدم قدرتها علي محاربة وكسر الاحتكار فإن الرأسمالية تقتضي بل أن الحكمة تقتضي أن تقوم الدولة بتفعيل المجتمع المدني بشكل كامل، حتي لا تظل الرأسمالية المصرية كسيحة وأسيرة لدي السماسرة ومصاصي الدماء من التجار والمحتكرين وذلك من خلال إقامة كيان موازي للمستهلكين يمثل كل المستهلكين علي غرار اتحاد الغرف التجارية وتنبثق من اتحاد المستهلكين كيانات أصغر تمثل مستهلكي سلعة أو خدمة معينة شريطة أن تكون للاتحاد فروع في كل المحافظات .
ويتشكل اتحاد المستهلكين من عدد من المستهلكين ليست لهم علاقة بالتجارة أو الصناعة أو الاستيراد أو التصدير إضافة إلي ممثلين عن وزارة التجارة والصناعة والتموين والداخلية والعدل ويتبع رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء.
ويكون دور اتحاد المستهلكين مساعدة الحكومة في الرقابة علي السلع والأسعار في كل محافظات الجمهورية وأن يحارب ظاهرة غش منتجات بير السلم التي تضر بصحة المواطنين وتكون للاتحاد السلطة في إلزام الحكومة بتوفير السلع التي ترتفع أسعارها بلا مبرر وأن تكون للاتحاد صلاحية مقاضاة التجار والمصنعين . والتفاوض مع اتحاد الغرف التجارية والصناعية للوصول إلي سعر مناسب للسلع يحمي المستهلك من الجشع والطمع إضافة إلي أي أدوار أخري حسب قانون إنشاء هذا الاتحاد . وذلك بغية توازن المجتمع واستقرار أوضاعه وتحقيق العدالة بين أفراده من أجل زيادة الاستثمارات ورفع معدلات الادخار بالحفاظ علي القوة الشرائية .