حكاية جنون الدولار تبدأ من تصريح الدكتور أشرف سلمان وزير الاستثمار السابق الذي أطلق تصريحه القنبلة في مؤتمر اليورمني العام الماضي بأن الدولة تعتزم تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار إلى 9 جنيهات، فاشتعل السوق حتي وصل سعر الدولار الرسمي الي 7,5 جينه واستقر علي ذلك فترة وهذا ما لم تخطط له أو تريده الحكومة فخرج علينا وزير المالية السابق هاني قدري معلنا من خلال تصريح لوكاله رويترز بأن وزارة المالية خلال إعداد الموازنة العامه للعام المالي 2016 | 2017 تري ان سعر الدولار سيصل إلي 8,35 قرش.
ومن لحظتها تحول الدولار من عمله إلي سلعة وفشل مخطط الحكومة في السيطرة علي سعر الصرف إلى أن أعلن طارق عامر تخفيض قيمه الجينه بقمية 112 قرشا مرة واحدة بنسبه 12% عند 888 قرشا، وهو السعر الذي خططت الدولة الوصول إليه . فما الذي حدث ؟ ولماذا فلت الزمام وخرج الدولار عن السيطرة؟ وهل الدوله قادرة على تحمل التبعات السياسية والاجتماعية لقرارت الحكومة.
عنما قررت الدولة تخفيض قيمة الجنيه للحد من الاستيراد مع فرض جمارك بنسبة 10 % إضافية علي العديد من السلع اقترضت ثبات كل الاوضاع والعوامل الاقتصاديه الأخري، لكن حدث ما لم يتوقعه أحد سقوط الطائرة الروسية والتي كانت سببا في سحب السياح من كل الجنسيات وخسارة 5 إلى 7 مليارات دولار عوائد سياحية مع تراجع الصادرات بقيمه 8 مليارات دولار، إضافه إلي سداد الالتزامات الدولية ورد ودائع قطر وتركيا، فحدث عجز واضح في العملة الصعبة، في ظل وجود طلب متزايد من المستوردين لتوفير جاجيات شهر رمضان إضافه إلى وجود رغبة جامحة من الإخوان للانتقام من ثورة 30 يوينو فقاموا بالذهاب الي المصريين في الخارج وشراء الدولار منهم في أماكن عملهم وتحويل المقابل بالجنيه، كل هذه العوامل لم تكن أمام عين الحكومة التي اتخذت قرار تخفيض الجنيه، لأنها لا ترى أبعد من تحت قدمها وليس لديها قدرة علي استشراف المستقبل، فحدثت الأزمة وتحول الدولار إلي سلعة الكل يتاجر فيها.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل خرج محافظ البنك المركزي طارق عامر بتصريحات شبه يوميه أشعلت السوق مرة أخرى وقفز سعر الدولار قفزات جنونية وغير منطيقة .لا يوجد تفسير اقتصادي لها سوى المضاربة في سلعه الدولار التي تدر أرباحا تزيد على أرباح المخدرات.
والسؤال: هل الحكومة تعتزم خفض جديد فى سعر الجنيه؟ أعتقد ذلك.. كان الدولار فوق الـ 6 حينهات، ثم كانت تصريحات أشرف سلمان وزير الاستثمار، فوصلنا إلي 8.88 جنيه. ثم خرج طارق عامر بتصريحات ربما تكون مقصودة .. لتبرير خفض جديد للجنيه مقابل الدولار، والآن بماذا نفسر استمرار طارق عامر في تصريحاته وفي منصبه؟ أو ربما تسعي الحكومة لطرح العديد من أصول وشركات وبنوك الدولة في البورصة، بعضها بالعملات الصعبة والأخري بالجنيه للعودة الي فتح ملف الذي أغلق، ويصعب فتحه مرة أخري إضافة إلي التفاوض مع صندوق النقد الدولي لاقتراض مبلغ خيالي يصل إلي 12 مليار دولار مرة واحدة ، وأن قبول الشعب لبيع أصوله ورهن إرادته إلي مؤسسات التمويل الدولية لن يكون إلا تحت وقع أزمة اشتعال سعر الصرف وطرح مشروع قانون القيمة المضافة بهذه الطريقة العبثية التي أدت إلي ارتفاع الأسعار بنسبه 30 % قبل مناقشة مشروع القانون مما يعني أن الحكومة “باعت الشعب للتجار والسماسرة يمصون دمه” لتتحول الأرباح إلي جيوب أباطرة السوق رغم أن خزينة الدولة لم يدخلها مليم واحد، هناك عشرات الأمثلة علي أن كل الأزمات تصنعها الحكومة بسبب ضغف الكفاءة ونقص الخبرة والعمل في جزر منعزلة وانعدام الرقابة من مجلس النواب الذي أعطي الثقة للحكومة .
لكن يبقي السؤال: ما هو السعر العادل للجنيه أمام الدولار؟ وما هي الآلية التي يمكن أن نقيس بها؟ وهل سيستمر الدولار في رحله الصعود الجنوني؟
أعتقد أن سعر الدولار سيتراجع لأن المضاربين لا يمكن لهم الاستمرار في هذا الطريق بعد أن وصل الجنون مداه، وأن الدولة لن تتحمل تبعات تراجع الجنيه في ظل عدم امتلالكها الأدوات المطلوبه للسيطرة والرقابة علي الأسعار، إضافة إلي أنها حقتت ما تصبو إليه وخلقت مبررا لفتح ملف الخصخصة والاقتراض من صندوق من جديد.